طفلٌ جريح

تُنسى كل الأيام الصعبة، كل الساعات المؤلمة، لكن لا تُنسى أبدا عدد مرات الخذلان، كم مرة كنت وحيدا في ألمك؟! كم مرة صفعت الأيدي وجهك بدلا من التربيت على كتفك! كم مرة بكيت وحيدا في ظلمات الليل تناجي نفسك سرا متى يشرق الصبح! أليس الصبح بقريب! يطول الليل بآلامه وتسرقك الذكريات من يقظتك إلى عالمٍ مخيف ممتلئ بالوحوش!
ذاك العالم الذى أذى طفلا بريئا وأصبح كابوسه الأبدي وجوده في ذاك العالم اللعين.
كيف له أن يثق بمن طعنوا براءته وقتلوها بدمٍ بارد؟! كيف له أن يصدق أن هناك هدنةٌ يمكن أن تصلح ما انكسر!
أيرجع فتات قلبه الذى تفتت لملايين القطع المتألمة بين أضلعه سليما كما خُلق؟
العالم موحِشٌ على هذا الطفل الخائف، يخبروننا في علم النفس أن الصدمةَ لا تكون صدمةً إلا حين تعيشها وحيدا، إلا حين يتعرى ظهرك بدلا من أن يتغطى بدفء الطفولة! بدفء الونس، بدفء العائلة، بدفء السند.
يخبروننا أيضا، أن الطفل الداخلي يريد من يحنو عليه بعد قسوة العالم، أأحنو عليه وأصلح ما أفسده العالم بي! أليس هو جزءٌ مني؟ أول لبنة في بنائي المتهالك، أأصلح ذاتي وجروحي بيدي الجريحة؟! كيف لهذا العالم أن يطلب مني دفع ضريبة ليست لي؟! كيف يجعلني العالم جانيا وأنا المجني عليه؟! أليس الجاني من يصلح ما أفسده؟! أليس هو من يُعاقب على فعلته؟! لماذا أنا الآن التي تدفع كل الفواتير، فواتير الماضي المؤلم وفواتير الحاضر الهش وفواتير المستقبل الباهت!
تحملني الحياة على تحمل ما لا أطيق، يطالبني العالم اللعين الآن أن أحنو عليه وعلى ساكنيه! هه!!! يا له من متبجح
يقتلني مرة، وحين أحيي نفسي بشق الأنفس يطلب مني أن أحييه معي وأحيي من به أيضا، وأن أحمل هم الكل على ظهري المتقوس، يا له من ظالم. 

أتذكر أحلام طفولتي التي طالما سرقت ليلي ونهاري، وأنا أحلم بأن أغزو العالم بسعادتي وضحكاتي وتفاصيلي البسيطة، لكني الآن أحمل بين يدي أحلامي القتيلة، أحلام طفولتي ورشدي، لم يتبق حلمٌ حيٌ، الجميع أموات وأنا ما زلت حية أقاسي ألم الفقد والوحدة، كيف تعيش بروحٍ مسروقةٍ وطفولةٍ قتيلة؟
كيف تجعل العالم يعيد ما سرقه؟ أليس هو من سرق أحلامي وسعادتي، ضحكاتي، حيويتي، لقد افتقدتني، أنا الفقيدة وأنا من أعزي نفسي، أقف في جنازتي أنتظر إحياء الموتى، أنتظر قيام القيامة وقيام روحي، أنتظر قيام الأمل من قبره، أنتظر أن ينبش التراب يد طفلٍ برئٍ يربت على يدي الضعيفة، أنتظر إحيائي مرة أخرى. 

أسمع دعوات أقراني، من تطلب الفرح ومن تطلب النجاح ومن تطلب الزوج ومن تطلب الذرية، وأنا أطلب الأمل، أطلب أي بصيصٍ للحياة يجعلني أستيقظ صباحا بوجه باسم، أطلب ريح رحمةٍ ولطفٍ من الله يشملني، الوحيد الذي لم يخذلني رغم غضبي، رغم ذلاتي، ذاك الإله الذى أتاح لبني آدم الحياة على الأرض، أتذكر قول الملائكة لله تعالى: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟! يا الله، ماذا الذى تعلمه عن هذه البشرية ولا تعلمه الملائكة؟ أرشدني بحكمتك وارزقني سبل النجاة منها بقلبٍ سليم، اللهم يا من تحيي الموتى وتخرج الميت من الحي، أحيني حياة هينة لينة وأخرج روحا كلها أمل من قلب الاكتئاب، وأمتني ميتة خير يارب العالمين.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خواطري (براحٌ لا يسعنى)

خواطرى(ألم لا يُحتمل)