خواطري (رثاء فقيدتي)
كنت أظن أني بخير وأن الحياة زهرية لا بها بؤس ولا حزن، أراها مشعة بالأمل والحيوية، كنت أجرى أسابق الزمن لكى أتفوق عليه بكل براءة، ظللت ثمانية عشر عاما بنظارة تظن نفسها بلا شوائب، أتذكر مرحي بين الطرقات، سهري بين الكتب، دموعي الراجية على سجادة الصلاة، أدعو الله أن يعينني، ظللت ثابتة حتى أصابتني عاصفة حولت حياتي من الأبيض إلى الأسود القاتم.
أتذكر يوما كنت أسعى فيه لتقديم الجامعة وجاءتني مكالمة من الهاتف، آخر صوت حنون لها تطلب مني المجئ لها، لم يتخيل قلبي المسكين أنها على فراش الموت وتطلب توديعي قبل فوات الأوان، دعوت لها بالشفاء وأقفلت الهاتف لأكمل مذاكرتي لأتقدم لامتحان قبول في الجامعة، بكل أنانية لم أستمع لهتافها الضعيف وهي تطلبني.
ما زال صوت رنات الهاتف يفزعني ويخيفني، يخبرني عقلي أن هناك سوءا قادم سيصيبنا، أرجوكي لا تجيبي لا أريد المزيد من الفقد.
مر يومان على المكالمة الحزينة، حتى أتى اليوم الذى لم أتوقع، غابت شمسي عن الحياة، فارقت عمتى الحنونة الحياة، لم أبكِ، لم أصرخ، لم أرفض الحقيقة بل تجاهلتها بكل كبرياء، تجاهلت قلبي المتألم وروحي التي تئن بداخلي، ولكن كان لجسدي رأىٌ آخر، أتذكر يوم نظرت في المرآة وأخذت أمشط شعري الجميل لأراه يتساقط بين يدي حزنا على فقيدتنا الغالية.
غادرتُ البلاد وغادرت قلبي تركته هناك معها، لم أزرها ولم أزر ما تبقى مني عندها، تركت جزءا مني فقيدا دون أن أبحث عنه.
أكملت رحلتي بمزيد من الكبرياء والإنكار، كنت أشعر بشئ غريب بداخلى، وحشة تأكل قلبي، حزنٌ دفين يطالبني بالإفراج عنه وأنا أصرخ به لا تحزن نحن لم نفقدها ولم نفقد أنفسنا كفاك شكوى بدون فائدة، أصراخك سيعيدها للحياة أيها الأحمق! اخرس ودع عقلنا يدير الدفة ويوصلنا لبر الأمان! أين هو؟ لا أعلم لا يهم، ما يهم فعلا ألا نضعف ونجعل مشاعرنا تسيطر علينا، لا مجال للمشاعر هنا.
أخذت الأيام تنقضى بلون باهت كريه الرائحة تفوح منه رائحة الحزن والفقد والكبرياء، حتى جاء يوم صفعتني الحياة بحقيقة موت غاليتي بعد ٤ سنوات! لأول مرة أدرك أنها رحلت، رحلت بدون رجعة، رحلت ومعها جزءٌ مني، لأول مرة أذرف دموعي الحارقة ربما ينطفئ نار قلبي، خطت قدماي لأول مرة بجانب قبرها! ماذا عساى أفعل والتراب يواري قلبي؟!
الحزن يأكلني من الداخل، أفتقدها وأفتقدني، أفتقد ذلك الونس بجانبها، الحياة مرّة بدونها وبدون ابتسامتها وحضنها الدافئ، بكيت وتألمت ولم ترجع للحياة لا هي ولا أنا! مازالت الحياة باهتة، أحيانا يضيئها الله بلطفه ولكنها ثقيلة.
اليوم أعترف بدموعي أني خسرت الكثير، وأن الفقد جزء مؤلم من الحياة، وأن لله ما أخذ ولله ما أعطى.
اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين 🤍
تعليقات
إرسال تعليق