خواطري (الاحتياج البغيض)
أشعر كأني قطةٌ مستأنسةٌ ضائعةٌ من بيتها الدافئ، جائعة والجوع ينهش معدتها الفارغة، البرد القارص ينخر عظامها نخرا، وإن رأف بها الطقس يزداد حرارةً ليجعلها تلهث كالكلب تبحث بوهن عن رشفة مياهٍ ترويها، الحياة قاسيةٌ لها قواعد تفرضها على كل من يخطو أرضها، حتى أنا القطة الصغيرة أصبحت من سكانها المساكين.
تتمشي (كيتي) الصغيرة تبحث عن مأوى يحميها من قسوة العالم، كلما مرت بجانب أحدهم تسأله عن طريق العودة للمنزل لم يجبها، أو ربما نظر لها نظرة استحقار واستهانة، تستمر الصغيرة في طريقها حتى قابلت قطا جميلا يبدو وكأنه تائه مثلها، يبعث وجهها الآن بالأمل فتقترب وتسأله ولكنه كالسابق، قاسٍ لا تعرف الرحمة لقلبه طريق، ولشدة قسوته طرحها أرضا بمخالبه الحادة، معلنا عن حرب عُنوانها البقاء للأقوى، حاولت الدفاع عن جسدها الضعيف بكل قوتها محاولةً من داخلها ألا تجرح الآخر، كيف تفكر بالآخر وحياتها على المحك ويكاد الموت يكون قريبا لها أكثر من ذيلها! يا لطيبتها! أقصد سخافتها! أضحكنى تفكيرها الساذج.
تستمر كيتي في المسير حتى بدأت تفقد الأمل في الرجوع لمنزلها وموطنها ومأمنها، بدأ اليأس يقترب من قلبها والإعياء من جسدها، يقرصها الجوع وتسمع معدتها الخاوية تشتكي باكية بأنها تريد طعاما وتقول: (أرجوكي كيتي ارحمي ضعفي أنا لا أقوى على السير ولا حتى الصمود لثانية أخرى، أعلم أن نفسك عزيزة ولا تعرف إلا الكرامة والطعام الفاره والحياة المنعمة لكننا الآن في احتياج شديد لأي شئ يبقينا على قيد الحياة).
فكرت هنيهة ونظرت لسلة القمامة بتقزز والدموع في عينيها تكاد تهرب من جفنيها بقهر، أتمد يدها وقد يصيبها المرض أم تستمر على عزمها على العيش بكرامة حتى وإن فنت بسبب عزة نفسها؟!
قررت أخيرا أن تقترب وتنحى كرامتها جانبا حتى تأكل، كانت خطواتها مرتعشة خائفة، لا تدري أخوفها ينبع من الطعام الذى قد يكون مسموما أم من جلد ذاتها الذى سيبدأ بعد خطوتها هذه!، كادت تصل للمكان المنشود حتى قابلت قطط شرسة تحاول صدها وتمنعها من المشاركة في الوليمة المقرفة، خافت أن تشتبك معهم فحاولت الوصول معهم لاتفاق يمنعهم من قتلها، لكن كان هذا الاتفاق يقتل كل مبادئها لحياة كريمة تظن أنها تستحقها، أصبحت بين نارين، نار القتل منهم ونار القتل من جلادها ذاك الضمير القاسي، أترضى بالمذلة لأجل العيش وسط الغوغائية مع الآخرين أم تختار الوحدة والجوع والاحتياج وتعاني في صمت؟! كيف تختار بين اختيارين كلاهما معاناة!
بعد صراع داخلي ضارٍ، قررت الانصياع لاحتياجها البغيض، وتمشي مع القطيع، تقتات على القمامة وتطلب الاهتمام من أصحاب المحلات المجاورة، وكلما اقترب منها أحدهم تملكها الخوف مرة أخرى، أسيضربها أم يحنو عليها كما كان الحال في بيتها؟! تحولت الحياة من فردوسٍ إلى جحيمٍ لا تقترب منه الرحمة، صوتٌ رحيمٌ يخرج منها يخبرها بأن ترحل فلا انتماء ولا أمان ولا شبع هنا عزيزتي، تعجبت من ضميرها الذى تحول فجأة من جلادٍ إلى ناصحٍ أمينٍ يخبرها بما تفعل بدلا من ضربها بالحجارة الصلبة، يرد صوتٌ ساخرٌ آخر من الداخل يخبرها أن الاحتياج أهم من أخلاقها الساذجة، وفي هذا الموقف الذى لا تُحسد عليه، دعت ربها أن يلهمها الصواب، أينما ومتى وكيفما كان، توكلت عليه في صمت، طمأنت خوفها وأصواتها الداخلية بأن الله معنا، لن يضيعنا الرحيم.
فكرت بفطنةٍ كيف تنجو من مأزقها حتى ألهمها الله أن ترحل في جوف الليل، أتخاف من الأذى؟! نعم تخاف فالمنطق أن قوتها لن تعادل قوتهم، وهي على كل حال تحتاج لهذه القوة لباقي رحلتها المرهقة، لملمت شتات نفسها وخرجت مسرعة كالبرق تسترق النظر في الأرجاء حتى لا يراها الأعداء، استمرت رحلة هروبها الكثير والكثير، لم تعد تشعر بالوقت فكل الساعات أصبحت واحدة والأيام كلها صعبة متشابهة، ولكنها في قرارة نفسها قررت التغيير من تلك الكيتي الضعيفة إلى الكيتي القوية التى تتحمل مصاعب الطريق، مشت وحيدة وطلبت من ربها أن يرزقها العون، من يعينها على وحدة الطريق وقسوته، أن يمنحها القوة لمواصلة الطريق على مبادئها، أن يغفر لها ما تقدم من ذنبها وما تأخر، أن يهدئ من روعها ويطمئن قلبها الخائف ويشد عضدها بأخٍ أو صديقٍ أو زوجٍ أو ولد، أن يلطف بها في كل صراع ينشب بين قلبها وعقلها، أن يرأف بحالها ويرزقها النعيم الأبدى.
عاشت وانتهت كيتي في محاولات دائمة، لا يمكننى الجزم بأنها لم تأكل من القمامة قط، أو أنها لم تضعف وتتوقف عن المسير بتاتا، أو أنها لم تقترب من الخطأ أبدا، لكن طُهر قلبها ظل للنهاية يصارع. ❤❤
عزيزي القارئ...
يمكن للاحتياجات أن تكون علاقات آمنة وونس يؤنس وحدتها، أو مالٌ كافٍ لحياة كريمة، البشرية مكمنها احتياج، احتياج للنفس والآخرين، كلٌ منا لديه احتياجات ملحة تملؤه، لا يمكن تجاهلها، وكلما تجاهلناها تفاقمت الأزمة، ليس علينا إنكار مشاعرنا واحتياجاتنا النفسية والجسدية، ولكن علينا تعلم كيفية التعامل مع الاحتياج والبحث عن مصادر آمنة تلبيها في أقرب فرصة متاحة. 😇
عزز نفسك فأنت كريمٌ كرّمك الله يا بن آدم. ❤
ممتازه جدا ♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
ردحذف