خواطري (لا أبرحُ حتى أبلغ)
جسدي طريح الفراش وروحي تائهة عني بعد غياب صديقتي الطبيعة، بعد الانفصال اللعين أشعر بثقل كبير في كل شبر في جسدي، أحاول الحراك لكنى عاجزة، شعور العجز يزيد ألمي، كيف لفراشةٍ مثلى ترقص مع الطبيعة كل يوم أن تتحول لحجر سخيف ساكنٍ بدون حراك ميتٍ بدون حياة!
لا أبرحُ حتى أبلغ، كلماتٌ ترددت على مسامعى بدون سابق إنذار، تدفعني للنهوض والاستمرار في البحث عن صديقتي وروحي التائهة معها، إلهام عجيب يأتى وأنتَ في أمس الحاجة له كالسائر في الصحراء لأيام يجد منبع مياه عذب يسقى عطشه، هكذا كانت الآية الكريمة على قلبى، تزيل ظمأى وتظلل طريقي الحارق.
أقاوم الثقل وأغادر عرشي الحزين، أقصد سريري الممل، أجرُّ همومي خلفي، أخطو أول خطواتٍ بقدمىّ كطفل يتعلم المشى لأول مرة يفقد توازنه ولا تقوى قدماه على حمل جسده باستقامة، أشعر وكأني فيل كبير بأقدامٍ بشريةٍ هزيلة، يتملكنى الخوف من السقوط أرضا، يخبرني صوتٌ ضاحكٌ مستهزئٌ في الخلفية:(أستسقطين من برج إيفيل يا عزيزتى؟!! انطلقي ولا تخافي، فلتعتبري نفسك طفل صغير بالفعل يتعلم المشى من جديد، يسقط مرات عديدة يضحك حينا ويبكى حينا أخرى، ولكن في النهاية يصل لمبتغاه)، أجبته قائلة في سرى: (لن أبرحُ حتى أبلغ).
جررت باب الشرفة المطلة على شاطئ البحر، أوه يا لهذا الجمال! لقد نسيت حقا أني تخطيت مسافاتٍ طويلة مرهقة لأجل الوصول لصديقتي الطبيعة، أحاول إعادة الاتصال بها، مر أول يومٍ لي في مدينة دهب كأن أحدهم يصفعني في كل مرة يلامس الهواء وجهي، وكأن الطبيعة ترفضني مرة أخرى وتخبرني: (اغربي عن وجهى يا كئيبة)، أحاول البكاء ولكنى عاجزة حتى عن هذا، الدموع تحرق قلبي وترجوني بالإذن بالخروج، ولكن ما لي بسلطةٍ على أى منهما، أدعو الله أن يطلق سراحنا جميعا.
اليوم الثاني يمر كالأول ويشوبه بعض الأمور السخيفة المتعلقة بالعمل، أشعر بأن أسدا يطاردني ويحاول أن يفتك بي، يستهلك طاقتي في الهرب، وفي كل مرة أنجو منه وأعيش يداهمني مرة أخرى وتتكرر المطاردة، لقد قررت أن أترك هذه السخافة وراء ظهري، لماذا جلبتها معي هنا في حقيبتي! اللعنة على كل مستغل وكل ما يرهق الروح والجسد.
اليوم الثالث يأتي ببعض الرحمات، أشعر بالهواء يداعبني بخفة وكأن الأمل يتردد من حولي محاولا الاقتراب والدخول بين ثنايا أضلعى، أتُراه هذا حقا أم أنا أتخيل فقط! لا أدري، لكني سأستقبل كل هذا بصدر رحب بدون محاولة الوصول لأى إجابة، سوف أوقف عقلي اللعين من طرح الأسئلة وأترك العنان لجسدي وروحي بالانطلاق، الحرية تغمرني بالسعادة، لماذا أحبس نفسي بين كل هذا اليأس! فلتنطلقي يا صغيرتي.
وأخيراً يأتي اليوم المنشود، رحلة الباخرة البحرية التى تذهب بي لأرضي، أعماق البحر الأحمر التى تغمرني بالجمال، أشعر بالانتماء لهذه البيئة البحرية وكأني سمكة تائهة لا تقدر على العيش خارج الماء، ستموت حتما خارج موطنها، أتعجب من جسدي الثقيل وهو يتحرك بخفة في الماء! أهذا هو نفس الجسد المتألم الشاكي؟! كيف يتحول بهذا الشكل ويندمج في طبيعة لا تشبهه لا به زعانفٌ ولا خياشيم فلماذا يشعر بالبحر كأنه الوطن الأبدى! أحيانا أسأل الله في سرى لماذا كل هذا الأمان في بيئة خطرة؟! لماذا يختفي الأمان حينما أكون بين أقراني البشر؟! لا يهم، كل ما يهمني الآن هى اللحظة الحالية، لن أفكر مرة أخرى في أسئلة كثيرة كهذه، في كل مرة أخبر نفسي فيها بالتوقف عن التفكير أراني أرجع إليه مرة أخرى!
آخر سويعاتٍ أقضيها في مدينة الراحة الخاصة بي، لا يهمني كم تكلفني الرحلة، لكن يهمني هذا اللقاء المنتظر مع الطبيعة الأم، تضحكُ لي من بعيد هذه الصديقة الوفية، تقترب مني وتحنو علىّ بعد غيابٍ دام لشهور، وبعد أن كان النسيم يصفعني أصبح يدغدغنى ويضحكنى، أرى البسمة الغائبة الآن على ثغري، أشعر برئتي تتنفسان الحب والأمان، وجسدي يتحرك بحرية مجددا على الأرض، أشعر بأنى طفلً مرحٌ عاد لأسرته وبيته بعد يومٍ شاقٍ في المدرسة، جسدي يتراقص مع موسيقى الأمواج، تعزف ألحاناً تتأرجح بين خلايا جسدي فتنشر البهجة كأنه العيد، اليوم عيدي، يوم لقائي بصديقتي، يوم لقائي بروحي التائهة، يوم البعث والحياة بعد الموت.
عاش استمرِ 👏👏👏
ردحذف